[right][right]في أدب السلوك
مثلما تلفتك الزهرة الندية ذات اللون الزاهي والأريج العبق، وتبعث في نفسك إحساسا راقيا بالجمال، فتود أن تتأملها مليا، ولربما شعرت برغبة في أن تخط خاطرة أدبية في وصفها، تعبر عما يختلج في صدرك من انجذاب نحوها ... ومثلما قد تشدك أيضا قصيدة امتزجت فيها روعة الشكل برقي المضمون، فترسل في وجدانك إحساسا مشابها بالجمال ... مثلما هو الحال في هذا وذاك، قد يفيض الشعور بالجمال في نفسك كذلك، بكل ما يبعثه هذا الشعور من راحة وسعادة، حين تتعامل مع شخص مؤدب في سلوكه، أدبا حقيقيا نابعا من ذاته وخصاله، يمتزج بكلامه وصمته، وقيامه وقعوده، ونظراته وملامحه .
نعم، أدب السلوك شكل من أشكال الجمال، فمن الفلاسفة من رأى أن الجمال لا يكون في الصور والأصوات وحسب، لكنه يكون في الأفعال كذلك، وحتى الذين لم يوافقوا هؤلاء الرأي، ذهبوا إلى أننا نستطيع أن نصف الفعل بأنه جميل على سبيل المجاز . ولم لا نصف الأفعال بالجمال مـا دام إحساسنا ببعض مـا نلاحظه من أنماط السلوك ( لما فيها من ذوق وأدب ولطف ولباقة ) يبعث فينا ما تبعثه في نفوسنا رؤية ورود زاهية، أو أطيار مزركشة، أو ابتسامة طفل، أو سماع موسيقى عذبة، أو شعر رائع، أو بيان ساحر ؟ أليس الجمال (مثل جميع القيم والمواضيع) شيئا يدرك من خلال أثاره ؟ وأثر الجمال هو سرور يقع في النفس، وإحساس بمتعة تلقائية راقية، وشعور بالانجذاب نحو مصدر ذلك الجمال، وكل هذه الآثار الايجابية تجدها واضحة مجسدة، حين تتعامل مع التأدب الراقي، المتمثل في الأقوال والأفعال واللفتات والسكنات والحركات التي تصدر عن الشخص المؤدب .
وكلمة (الأدب) في اللغة والاصطلاح واسعة الدلالات، متعددة المعاني، غير أنك تجد دائما أن ثمة رابطا يقوم بين مفاهيمها ومدلولاتها، وإن اختلفت وتعددت تلك المفاهيم في ظاهرها . وبوجه عام فإن لفظ (الأدب) أو (الآداب) يشير إلى أصول وقواعد من اللائق إتباعها في مجال معين ... كقولنا مثلا أدب الحديث، أو أدب الحوار، ومن ذلك قولنا أيضا (آداب مهنة المحاسبة، أو آداب مهنة المحاماة ... ) أو ما إلى ذلك، وقد كان اللفظ بهذا المعنى أكثر استخداما قبل عدة قرون، وكان يقال مثلا : (أدب القاضي، أدب الكاتب، أدب المعلم ...) لتشير كلمة (أدب) إلى ما يجدر بهؤلاء أن يتقيدوا به في أدائهم لأعمالهم . كما تستخدم حاليا كلمة (أدبيات) لتشير إلى أصول وممارسات وعادات تسود في مجال أو فن معين . ولا أدري، ربما أطلق على التعبير الفني الموحي المتسم بالجمال، كما في النثر والشعر، لفظ (الأدب) لأن لهما أصولا ينبغي التقيد بها ليكون الكلام أدبا .
أما أدب السلوك، فإنه يشتمل على قواعد وأصول تجعل السلوك لائقا ومهذبا ومحببا ومتسما بشيء من السمو، وفي رأيي المتواضع أن مفهوم الأدب يختلف عن مفهوم الأخلاق، حيث أن الأخلاق أكثر ارتباطا بقيمة (الخير)، فالخير منبع الأخلاق الحميدة ومحورها وغايتها، أما الأدب فيرتبط بقيمة (الجمال)، فهو ينطلق من الجمال ويوحي به، مثلما أن سوء الأدب يرتبط بالقبح ويوحي به، ولذلك فإن الأدب الجم في السلوك يروق لذي الذوق الرفيع، وسوء الأدب يبعث فيهم إحساسا بالاستنكار والنفور .
وكثيرا ما يتم تعريف أدب السلوك بأنه يعني التهذيب، فيوصف المؤدب بأنه مهذب، واستخدام كلمة (التهذيب) في هذا الوصف جد موفقة، وجد رائعة، فالتهذيب يفيد في أصل اللغة تنقية الشيء وتلخيصه من العيوب، ومن هذا القبيل قد نقول : (هذب الشجرة) بمعنى أنه أزال فروعها وأغصانها اليابسة وغير المتناسقة، و(هذب النخلة) أي أزال أليافها ليظهرها بشكل أجمل ... و(هذب الشعر) أي خلصه مما فيه من عيوب وأخطاء . وهكذا يكون تهذيب المرء لنفسه، وكذلك يكون الأدب، إنه تخليص للسلوك من العيوب ومن غير المرغوب . ففي سلوك الإنسان إذا لم يتم تهذيبه وتأديبه عدوان ووحشية وغلظة، وفي تعبيراته وحركاته وملامحه ونظراته همجية وتهجم وقسوة، وكل ذلك يحتاج إلى التهذيب بمعانيه المتقدمة .
ويغلب أن تكتسب نسبة الأدب التي يتمتع بها الشخص من الذوق العام السائد في بيئته، فيقل في البيئات التي تتسم بالصوت العالي والصخب واتخاذ موقف الدفاع أو الهجوم عند التعامل مع الآخر، والتي تطغى عليها العصبية والعدوان اللفظي والحركي والعدوان في الملامح والحركات، بينما ترتفع نسبة الأدب في البيئة التي تعنى بالذوق والجمال وتميل إلى الهدوء والاتزان . ولكن اللباقة والذكاء الاجتماعي لهما دورهما أيضا في جعل الشخص ينتبه إلى أهمية الأدب في الحياة العملية والاجتماعية، وينتبه إلى أنماط السلوك المؤدب فيسعى لاقتباسها وتبنيها . كما أن تدني نسبة الذكاء الاجتماعي وقلة الملاحظة والانتباه، وعدم وجود فرص للمرء لتعلم بعض أنماط السلوك المؤدب، قد تجعله يسيء الأدب دونما قصد .
وأرى أن أدب السلوك يقوم على أربع ركائز أساسية : أولاها احترام الآخر وتقديره، ويكون ذلك بعدم الاستعلاء عليه، ومنحه الاهتمام على أساس إنسانيته دون أي اعتبار آخر . وثانيتها توجيه معاملة خاصة لمن يستحق، أو لمن استقرت قواعد المجتمع على معاملتهم ضمن قواعد خاصة حددها لكل منهم، مثل كبار السن والمرأة والمسؤول والمعلم وذي المكانة الأدبية والعلمية . وثالثة تلك الركائز هي الهدوء، حيث يتنافى حسن الأدب دائما مع الرعونة والهمجية والعدوان والصراخ والعصبية وحدة النظرات وقسوة الكلمات وتعبيرات الوجه التي تدل على النفور، وما إلى ذلك . أما رابعة ركائز الأدب فهي إتقان بعض التعبيرات اللفظية وغير اللفظية التي تنطق بالود والتواضع والتسامح والثقة أثناء التعامل .
ويجد السلوك المؤدب عادة في نفوس الآخرين صداه، وينفذ إلى القلوب، ويبعث على الانجذاب والمحبة والتقدير، وكثيرا ما يحقق الشخص المؤدب بأدبه النجاح، ويبلغ الأهداف، أكثر مما يحقق ذلك من يفتقد أدب السلوك، ويعتقد بأنه ينال مآربه بالصخب والغلظة والصراخ والعدوانية .
السبت نوفمبر 03, 2012 11:38 am من طرف ميسر الساحوري
» هل تعرف الاردن
السبت نوفمبر 03, 2012 11:37 am من طرف ميسر الساحوري
» الكشافة
السبت نوفمبر 03, 2012 11:32 am من طرف ميسر الساحوري
» عيدية العيد
الجمعة سبتمبر 24, 2010 5:58 pm من طرف هاجر الطيار
» مقارنه بين الأم الهاي والهظيك
الجمعة أغسطس 13, 2010 6:46 am من طرف زائر
» طــــــــــــــــرائف
الإثنين يوليو 05, 2010 8:50 am من طرف هبوشه
» اشترك بمجموعة صعوبات التعلم على الفيس بوك
الأحد يوليو 04, 2010 10:09 am من طرف هاجر الطيار
» حكم ومن أمثال الشعوب
الأحد يوليو 04, 2010 9:59 am من طرف هاجر الطيار
» اضحك شوي
الخميس يونيو 24, 2010 9:04 am من طرف البراعم